لقد كانت الأسرة قبل الدين الإسلامي مفككةً، حيث كانت الهيمنة للعنصر الذكوري مع إهمال المرأة وحرمانها لحقوقها، فقد كان من يبشّر بمولودة أنثى يستاء ويخبّئ وجهه من الناس من سوء ما بُشِّر به فلا يعلم ما يفعل بها هل يصبر عليها؟ ويخاف من أن تسبى في إحدى المعارك فتجلب له العار، أو يدفنها بيديه تحت التراب وهي على قيد الحياة.
قال تعالى ((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ))، ولم يكن لأي فردٍ بشكلٍ عام من أفراد الأسرة أية حقوقٍ بل كان الرجل هو مصدر الحياة فقط فالطفل لم يحظَ بأية رعايةٍ أو اهتمام ولم يكن يُنظر إلى الأسرة بأنها لبنة أساسية في المجتمع.
كما أنّ الذي ينظر إلى الأسرة في المجتمعات الغربية يجد أن الأسرة أيضاً فيها غير مترابطة معاً وإنما يعيش كل فردٍ فيها منفصلاً عن الآخر، فلا يسيطر الوالدان على الأبناء ولا يتقيّد أحدهم بمنظومةٍ معينةٍ ولا يجتمعون معاً إلّا في المناسبات والأعياد الرسمية، ويحق للأبناء إذا تعرّضوا للتوبيخ من الوالدين الشكوى عليهم ومنعهم من التدخل بهم وفي حياتهم، بل إنه في بعض المجتمعات عندما يبلغ الولد أو البنت ثمانية عشر عاماً يجب الخروج من المنزل أو دفع الإيجار.
مفهوم الأسرة في الإسلامعندما جاء الإسلام أرسى قواعد العلاقات بين البشر وحافظ على بناء الأسرة بصفتها اللبنة الأساسية في المجتمع فإذا صلحت صلح بقية البناء وهو المجتمع، بينما لو فسدت لكان المجتمع ضعيفاً، فحدد العلاقة بين الرجل والمرأة في رابطة الزواج التي هي الرابطة الوثيقة وأعطى كل فردٍ في الأسرة حقوقاً وأوجب عليه واجباتٍ، حتى الطفل الرضيع أعطاه حقه في الرضاعة والعناية والاهتمام وأعطى المرأة حقوقها وصانها ورفع من قدرها ومكانتها سواء كانت زوجةً أو أماً أو أختاً أو ابنةً وجعل لكلِّ منها حقوقاً.
تتميّز الأسرة المسلمة بأنها تجمع بين أفرادها بالمحبة والألفة، وبأن هذه العلاقة طويلة الأمد، حيث إنّ عقد الزواج لا يحمل أية مدةٍ بل إن الزواج محدد المدة في الإسلام يعد باطلاً وهذا من صور اهتمام الإسلام بالأسرة.
دعا الإسلام إلى أهمية التفاهم والتفكير بطريقةٍ إيجابيةٍ في الأسرة لتكون بنّاءةً وليست هدّامة، وبالتالي إنشاء جيلٍ قوي يساعِد في بناء مجتمعه وحماية أمته من التهديدات الخارجية، فيحتاج المجتمع إلى التنوّع في مجالات عمل أفراده، فيجب أن يتواجد الطبيب والمهندس والمعلم والخباز والحداد وعامل النظافة وغيرها من أجل الترابط فيما بينهم وتقوية نسيج المجتمع، ولا يمكن الحصول على هذا التنوّع إلّا بظروفٍ أسريةٍ سويةٍ ومستقرة.
المقالات المتعلقة بمفهوم الأسرة في الإسلام